الاثنين، ١٧ آذار ٢٠٠٨

العراق وقصة "الغبار الذري السياسي السام" المتساقط مع الغزو


كان من المفترض أن تنتهي الحرب في العراق قبل وقت طويل من الآن، إذ لم يكن يُفترض أن تلهب مثل ذلك الصراع الدائر الآن بين السنة والشيعة، أو أن تثير عش دبابير القاعدة.

كما لم يكن من المفروض أن تؤدي الحرب إلى إبعاد الكثير من دول العالم عن السياسة الخارجية الأمريكية التي كانت تتربع بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول من عام 2001 على عرش من التأييد الدولي جلبته لها موجة التعاطف معها بسبب تلك الأحداث.

لا بل على العكس من ذلك، فقد كانت النية، كما يجادل أنصار الإدارة الأمريكية، إزالة الخطر الذي كان يتهدد السلم الدولي، بالإضافة إلى نصب علم الحرية في قلب صحرء الديمقراطية في الشرق الأوسط.

وهم وسراب
إن ديمقراطية العراق ستكلل بالنجاح، وإن ذلك النجاح سيصاعد وتيرة الأنباء التي ستتوالى من كل من دمشق وطهران لتقول إن الحرية يمكن أن تشكل مستقبل كل أمة من الأمم
الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش

وقد اعتبر منتقدو الحرب دوما التهديد والخطر الذي تحدثت أمريكا عنه مجرد وهم وسراب، وأن غزو الولايات المتحدة للعراق غير قانوني، بل أن واشنطن كانت تسعى من خلاله للسيطرة على المنطقة ووضع اليد على نفط العراق.

وقد كان غزو العراق أيضا جزءا لا يتجزا من مبدأ الرئيس بوش حول الحرب الاستباقية ومن آماله التي طالما أطلق عليها تعبير "الثمن المسبق للحرية."

ففي كلمة ألقاها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2003، أعلن بوش قائلا: "إن ديمقراطية العراق ستكلل بالنجاح، وإن ذلك النجاح سيصاعد وتيرة الأنباء التي ستتوالى من كل من دمشق وطهران لتقول إن الحرية يمكن أن تشكل مستقبل كل أمة من الأمم."

عراقيون يحتفلون بسقوط صدام حسين
اعتقد بوش أن الحرب كانت "مجرد دفعة على الحساب" لتحقيق الحرية للعراقيين

وهكذا كان مبدأ بوش، الذي برر بموجبه الهجوم الاستباقي حتى وإن لم يكن الخطر محدقا ببلاده، مجرد ضحية أخرى من ضحايا الحرب نفسها.

مغذى هام

تقول الدكتورة دانا ألين، كبيرة الأساتذة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في العاصمة البريطانية لندن لشؤون ما وراء الأطلسي: "سينأى المرشحون الثلاثة لانتخابات الرئاسة الأمريكية بأنفسهم عنها (حرب العراق) بطرق ذات مغذى هام وكبير".

وتضيف ألين قائلة: "إن التجربة في العراق قد كذبت وأضعفت الثقة إلى درجة كبيرة جدا بمبدأ الضربة الاستباقية، وإن لم تقض عليه بالكامل. فالولايات المتحدة لا يمكنها أن تُقدِم بشكل ساذج على غزو أي بلد آخر، مع الاحتفاظ بالأمل ببساطة بأن كل شيء سيكون على ما يرام. ويبدو أن مثل هذا الأمر قد حدث فعلا في العراق."

عندما تخلى الجنرال أوديرنو عن قيادة الفيلق المتعدد الجنسيات في العراق (إم إن سي ون) في الرابع عشر من الشهر الماضي، كان ذلك يعني أن الحرب الأهلية هناك قد انتهت
الكاتب الأمريكي فريدريك كاجان

وتبقى حقيقة واحدة مفادها أن آخر فصل حول حرب العراق لم يُكتب بعد. فقد برزت مؤخرا مزاعم تقول إن الأمور في العراق ستكلل بالنجاح في نهاية المطا نتيجة التحسن الذي طرأ على الأوضاع في البلاد مؤخرا، على عكس ما كانت عليه الحال مع الحرب الكورية التي سارت إلى آخر مرحلها الكارثية.

الكلفة "المنخفضة" للحرب

أما لورانس ليندزي، الخبير الاقتصادي السابق لدى البيت الأبض، فيعتقد أن الكلفة المالية لحرب العراق ما زالت "منخفضة نسبيا من ناحية الموازنة، وهو ما زال يأمل بأن تنحو الأمور في العراق منحى أفضل.

فقد كتب ليندزي في مجلة فورتشين يقول: "ستكون حكومة عراقية مستقرة ومنتخبة من قبل شعبها هي الأولى من نوعها في العالم العربي. وستقدم مؤشرا ودليلا على أن هناك بديلا ثالثا للخيار الحالي ما بين الأنظمة القمعية أو الأصولية الإسلامية."

عراقي يبكي أخاه الذي قتل بتفجير قنبلة الشهر الماضي
لم يكن أحد ليتصور أن الحرب ستقود إلى سنوات من المذابح وإراقة الدماء

من جانبه، يقول الكاتب فريدريك كاجان، وهو أحد الذين دعوا عام 2006 لا للانسحاب من العراق بل لتصعيد الحملة العسكرية ضد المسلحين، إن الحملة العسكرية الأخيرة قد أتت أُكُلها وأضافت الكثير إلى رصيد الجنرال ديفيد بتريوس، قائد القوات الأمريكية في العراق، والجنرال ريموند أوديرنو العامل تحت إمرته.

كتاب مقدس

وأضاف كاجان، في مقال كتبه في أسبوعية ويكلي ستاندارد، التي تُعتبر بمثابة الكتاب المقدس بالنسبة للمحافظين الجدد: "عندما تخلى الجنرال أوديرنو عن قيادة الفيلق المتعدد الجنسيات في العراق (إم إن سي ون) في الرابع عشر من الشهر الماضي، كان ذلك يعني أن الحرب الأهلية هناك قد انتهت."

وتابع كاجان مدلِّلا على صحة ما ذهب إليه قائلا: "انخفض معدل الضحايا بين المدنيين بنسبة 60 بالمائة، وكذلك نسبة الهجمات الأسبوعية (التي يشنها المسلحون)، وتم طرد عناصر القاعدة في بلاد الرافدين من معاقلها في العاصمة بغداد وضواحيها، وكذلك من محافظتي الأنبار وديالى. إن الوضع في العراق قد تبدل بشكل كامل."

لكن، حتى وإن تحولت الحرب إلى قضية "يمكن الانتصار فيها"، فإن منتقديها يرفضون إعطاء أي تلميح أو إشارة توحي بأن "الحرب كانت تستحق" كل ما بُذل من أجلها.

جراح المعاق
إن التجربة في العراق قد كذبت وأضعفت الثقة إلى درجة كبيرة جدا بمبدأ الضربة الاستباقية، وإن لم تقض عليه بالكامل. فالولايات المتحدة لا يمكنها أن تُقدِم بشكل ساذج على غزو أي بلد آخر، مع الاحتفاظ بالأمل ببساطة بأن كل شيء سيكون على ما يرام. ويبدو أن مثل هذا الأمر قد حدث فعلا في العراق
دانا ألين، كبيرة الأساتذة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن

يقول ديفيد روثكوبف، وهو مسؤول في إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي السابق بيل كلينتون ويعمل حاليا بمؤسسة كارنيجي بواشنطن: "إن إعلان مثل هذا تحسن الوضع الأمني في العراق) على أنه نجاح مبني على التطورات الأخيرة هو بمثابة القول إن شخصا شديد الإعاقة بسبب إطلاق النار عليه قد طابت جراحه. إن الضرر قد وقع."

ويتابع روثكوبف قائلا: "كانت سياسة بوش الخارجية فاشلة وسيتم الحكم عليها من خلال العراق، وهو (بوش) سيتحمل مسؤولية شن تلك الحرب المكلفة التي لم يكن لها أي داع، بل شكلت خرقا للقانون الدولي وأبعدت الحلفاء وشتت انتباهنا وتركيزنا على القضايا الجوهرية كالإرهاب وأفغانستان ومنع انتشار الأسلحة النووية."

وأردف روثكوبف بالقول: "تلك هي السياسة الخارجية الأسوأ من حيث إدارتها مقارنة مع إدارة أي رئيس أمريكي سابق منذ الحرب العالمية الثانية. وحتى على المدى المتوسط الذي يميل فيه الوضع في العراق إلى الهدوء والسلام النسبي، فإننا نتساءل إن كان الأمر يستحق كل ذلك؟ وأقول إنني لا اعتقد ذلك."

ابتعاد الحلفاء
بلير وبوش وأزنار
قادت الولايات المتحدة، برئاسة بوش، تحالفا دوليا لإسقاط صدام عام 2003

أما بالنسبة لموقف الولايات المتحدة في العالم، فقد تسببت الحرب بابتعاد بعض أوثق حلفاء واشنطن عنها، وعلى وجه التحديد فرنسا وألمانيا. كما انسحبت دول أخرى مثل إسبانيا وإيطاليا، اللتان كانتا قد أرسلتا قوات إلى العراق في أعقاب الحرب، وذلك نظرا لتحول الرأي العام في تلك البلدان حيال الحرب إلى موقف مناهض لها تماما.

وعلى صعيد آخر، فقد رأى عدد من الدول الصغيرة، وكان العديد منها منضويا في الاتحاد السوفياتي السابق، فرصة لإظهار ولائهم لواشنطن، إذ أرسلت تلك الدول، ومنها جمهورية التشيك وبولندا وجورجيا وغيرها، بكتائب إضافية من قواتها إلى العراق.

وتجادل تلك الدول بالقول إن وجود أمريكا قوية يُعتبر دوما فأل خير ومؤشرا إيجابيا على استقرار المستقبل الأمني لهذه الدول.

انقسامات أوروبية
كانت سياسة بوش الخارجية فاشلة وسيتم الحكم عليها من خلال العراق، وهو (بوش) سيتحمل مسؤولية شن تلك الحرب المكلفة التي لم يكن لها أي داع، بل شكلت خرقا للقانون الدولي وأبعدت الحلفاء وشتت انتباهنا وتركيزنا على القضايا الجوهرية كالإرهاب وأفغانستان ومنع انتشار الأسلحة النووية
ديفيد روثكوبف، مسؤول في إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون

وبدوره، أدى الدعم البريطاني للولايات المتحدة في حربها على العراق إلى نشوء مزيد من الانقسامات داخل القارة الأوروبية نفسها. وقد أرخت تلك الانقسامات بظلالها القاتمة على المحادثات المتعلقة بمعاهدة لشبونة بشأن السياسة الخارجية المستقبلية للاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى تعزيز تصميم بريطانيا على جعل قرار السياسة الخارجية في يد حكومات الدول الأوروبية منفردة.

كما أدى غزو العراق إلى قرع أجراس الخطر في روسيا أيضا، حيث نشأ نوع من الشعور والمزاج الجديد المعادي للغرب، وأصبح الروس يتعاملون مع القوة الأمريكية بيقظة وحذر.

وهكذا إذن، لم تجلب حرب العراق إلى منطقة الشرق الأوسط تلك الثورة الديمقراطية الموعودة التي كان بوش يأمل بتصديرها لها. كما أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ما زال على حاله ولم يجر التوصل إلى تسوية سلمية له.

ومن سخرية القدر أن تكون إيران، الدولة التي تناصب أمريكا العداء، هي الجهة الوحيدة التي برزت من الصراع كأعظم قوة إقليمية، حاملة معها القلق والمخاوف لجيرانها من دول منطقة الخليج العربية.

ليست هناك تعليقات: